التعددية هي مشيئة الله
هناك شيء واحد يجمع كل ديكتاتوريات العالم، ألا وهو الاستراتيجيات التي استعملتها كل منهن عبر التاريخ لإخضاع الشعوب وصهر الجميع في بوتقة واحدة من العادات والتقاليد التي من شأنها أن تطبع، في رأي تلك الدكتاتوريات، أذهان الناس وأفكارهم. فيعتقد الجميع اعتقادًا واحدًا وتنتفي التمايزات وتغيب المعارضة للنظام ويكون الكل تحت السيطرة التامة. في الصين حاول ماوتسي دونغ ان يُلبس الجميع لباسًا واحدًا. روسيا الشيوعية حاولت إن تلزم كل الناس بنوع من التثقيف السياسي الذي يجعل الماركسية قانون الحياة عند الجميع كبيرهم وصغيرهم. بعض الدكتاتوريات منعت إصدار الكتب، منعت الموسيقى، فصلت ما بين الجنسين أو ما بين الأعراق في مرافق الحياة العامة… إلى غيرها من محاولات صبغ الناس بلون واحد من الخارج وبفكر واحد من الداخل. وفي كل مرة تفشل تلك المحاولات.
أحد أسباب الفشل الرئيسة هي أن الله صمم الحياة بتعددية خلاّقة. وفي الطبيعة المخلوقة بكلمة الله أمثلة لا تحصى على إصرار القدير على أن يكون هناك عناصر اختلاف بين أي فصيلة وفصيلة أخرى من المخلوقات، حتى إن الاختلاف يطال الأنواع في الفصيلة عينها، وهذا ينطبق على البشر أيضًا.
تنتج الحقول في كل سنة مليارات ومليارات من حبوب العدس، ولكن بالرغم من صغر حجمها وصفاتها المتشابهة، إلا أننا لا يمكننا أن نجد حبة عدس واحدة، بين تلك المليارات الكثيرة، تشبه حبة أخرى شبهًا تامًا. لا يوجد حبة عنب تشبه الأخرى تمامًا، كما لا يمكننا أن نعثر على تفاحتين متطابقتين كليًا.
شاهدت مرة مسلسلاً يدعى star trek يذهب أبطاله في مغامرات من كوكب في الفضاء إلى أخر. وفي إحدى المرات يرتكب واحد من المجموعة خطاً بحق الآخرين، فيكون قصاصه النفي إلى كوكب بعيد. وسرعان ما اكتشف هذا الشخص المعاقب أن القصاص لم يكن مجرد النفي، بل إجباره على أن يعيش على كوكب كل الناس فيه يشبهون بعضهم بعضًا شبهًا تامًا. من يستطيع إن يتخيل الحياة على كوكب كل الناس فيه لهم نفس الصورة؟ انه الجحيم بعينه.
أنا أشكر الله على الاختلاف. أشكر الله لأن الورود تختلف بالشكل واللون. أشكر الله لأن نغمات الموسيقى متعددة الألحان، أشكر الله أن الناس من حولي يختلفون بالشكل وأشكر الله إنهم يختلفون بالرأي أيضًا. فطالما إن الاختلاف يدعو إلى تميّز الآخر في إطار احترام هذا الآخر واحترام رأيه، فإن الاختلاف بين الناس هو بركة وعافية وجمال.
إن كانت بصمات أصابع كل إنسان في العالم مختلفة عن بصمات غيره، فكيف لا نعترف بإرادة الله الصالحة من خلال التعددية والاختلاف؟ وكيف لا ننشد لله مع النبي داود “أحمدك يا رب لأنني امتزت عجبًا”؟